آنّا كارينينا أثر أدبي عالمي وإنساني خالد، ترجم إلى
معظم لغات العالم، وأعيد طبعه مئات المرات. وقد
تباينت أراء النقاد في هذه الرواية، فوضعت فيها
دراسات كثيرة راوحت بين الإعجاب التام والرفض النسبي، إن لم نقل الرفض التام. فمن
أعجب بها قد أعجب لأنه رأى فيها عصارة فن تولستوي وخاتمة
أعماله الكبرى، ومن انتقدها فحمل عليها قد حمل لأنه رأى فيها خللاً فنياً، ورأى أحداثاً ثانوية كبيرة تواكب الحدث الرئيسي وتكاد تطغى عليها.
يفتتح تولستوي رواية
أنّا كارينينا في الجملة المشهورة: "كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل
عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة."
تطفو على سطح الحدث في الرواية نماذج
بشرية متنوعة،
معظمها مريض مرض الطبقية، مرض النبل، مرض الإرث الثقيل، والنماذج البشرية، هذه هي
غالباً نماذج مهتزة غير سوية، تتفاعل في داخلها صراعات كثيرة، أبرزها ما بين القلب
والعقل أو بين الحب والواجب، وما بين القشور واللباب، وما بين تخلف الإكليروس
وحركة التنوير في أوساط المثقفين الروس.
والفريد في كتابات تولستوي هو
أنك كقارئ لن تتأثر بكتابة تولستوي المحايدة
تماماً في رأيه بكل شخصية، إنما يترك الكاتب
لك المجال لتحدد رأيك وموقفك وذلك إثارة للنقاش بين كل من يقرأ الرواية. فـ (أنّا
كارينينا) ليست ككل الروايات، حيث في الغالب يتأثر القارئ برأي المؤلف بالشخصية
على عكس كتابات ليون تولستوي. كما أن عقلية تولستوي العقلانية أدركت أنه لا توجد أي شخصية لا تنطق إلا بالخير ، وأخرى تسخر الشر في كل ما تفعله في الرواية، إنما آمن تولستوي أن
لكل شخص قلباً وعقلاً ومصلحة عليا؛ فلا أحد يقوم بأمر ما إلا وله مبرره الخاص الذي قد
يكون، وقد لا يكون مطابقاً للمُثُل العليا التي يسعى الروائييون عادة إلى تعزيزها في المجتمعات،
حيث كل من في الرواية مثير للشفقة وكلهم أنانيون، وكلهم كان لهم المبرر المقنع
والمنطقي لما قام به.كما أن تولستوي وكروائي
لم يعتد في كتاباته عن الابتعاد عن أهمية التمسك بالتعاليم الدينية كمَخرج هو الأفضل، لكل ما يواجهه الفرد
من أحداث، فربما يكون ذلك نتيجة إيمانه بأن الحكمة الإلهية والتعاليم الدينية تعلو على كل
الحلول والحكمة الإنسانية الوضعية، وهذا ما يلمسه القارئ في
الرواية.
تعد هذه الرواية من أكثر الروايات إثارة للجدل حتى اليوم، ولأن تولستوي يناقش
فيها إحدى أهم القضايا الاجتماعية التي واجهت كافة المجتمعات الإنسانية، خاصة الأوروبية بُعَيْدَ
الثورة الصناعية، وما نتج
عنها من اهتمام بالمادة، وما ظهر من أمراض تتعلق بالمال لدى الطبقات الأرستقراطية
آنذاك
لينك للتحميل :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق